صدر مؤخرًا كتاب جديد بعنوان “في مرايا الشعر” للشاعر والناقد جمال القصاص، والذي يقدم لنا تجربة فريدة تكشف عن العلاقة المعقدة بين الشاعر وكلمات النصوص، الكتاب يمثل شهادة شخصية تعكس مسيرة القصاص مع الشعر وتجاربه النقدية على مدار سنوات من التفكير العميق والمتابعة الدقيقة.
اللحظة الإبداعية وتوتر الكتابة
في مقدمة الكتاب، يتحدث القصاص عن الحالة العاطفية التي ترافقه أثناء الكتابة، حيث يجمع بين الفرح والحيرة، مما يضعه أحيانًا في موقف صعب، ويصف الإبداع كفخ يتربص بالشاعر، مما يجعله يعيش تناقضًا بين كونه صيادًا وفريسة، هذا التوتر يشكل جوهر رؤيته للكتابة، فهو يرى أن الخروج من مأزق نص يتطلب خلق مأزق جديد، كما لو كان طفلًا يشاهد ولادة قصيدته على الورق.
اكتشاف الجديد في الكتابة
يؤكد القصاص على أهمية ترك النص مفتوحًا لاستقبال أفكار جديدة، فالكتابة بالنسبة له ليست مجرد عملية، بل هي رحلة مستمرة للبحث عن ما لم يُقال بعد، وعما يختبئ في اللحظات اليومية من جمال وإلهام، فهو يعيش الشعر كطقس داخلي يسعى من خلاله إلى حرية التعبير عن نفسه.
قراءات نقدية وتجارب شعرية
يحتوي الكتاب أيضًا على مجموعة من القراءات النقدية التي قام بها القصاص لتجارب شعرية عربية، حيث يعبر عن فرحته بالشعر وما يقدمه الشعراء من مغامرات جمالية، ويرى أن خبرته كشاعر تشكل البوصلة التي توجه نظرته النقدية، فهي تجمع بين شغف القارئ وحساسية المبدع.
تحولات الشعر العربي
يستعرض الكتاب تحولات الشعر العربي منذ الستينيات، حيث يشير القصاص إلى بدايات التمرد على الأشكال القديمة، محاولات التجديد في الإيقاع والرؤية، ولكنه يلاحظ أن الشعر العربي ظل مرتبطًا لفترة طويلة بالبلاغة التقليدية، وبموضوعات سياسية واجتماعية تؤثر على الشكل الجمالي للنص.
نظرة مستقبلية للحداثة الشعرية
يتناول القصاص المأزق الذي يواجه الشعر العربي المعاصر، مشيرًا إلى اعتماد بعض التجارب على المنجز الغربي، ويؤكد أن الحداثة الشعرية ليست قالبًا خارجيًا، بل هي قيمة داخلية تحتاج إلى من يوقظها من قيود العادة، حيث يمنح الشعر إحساسًا بالحرية ويعيد تشكيل علاقتنا بالعالم.
رحلة البحث عن الصواب
في ختام الكتاب، يعبّر القصاص عن اعتراف إنساني عميق، إذ يشير إلى أنه لا يدّعي الصواب فيما يكتب، بل هو ما زال يبحث عنه في رحلته مع الشعر، حيث يعتبر أن الخطأ ليس سوى صواب مؤجل، ويشيد بالشعراء الذين ساهموا في توسيع فضاء الحب والضوء في تجربته الشعرية.
بهذا الإصدار، تضيف الهيئة المصرية العامة للكتاب عملًا مهمًا إلى المكتبة النقدية العربية، حيث يجمع بين حرارة التجربة وعمق التأمل، ويقدم لنا رؤية شاعر عاش طويلاً في عالم القصيدة وتأملاتها المتعددة.